شارك في القاء المفتوح بعض (مشاركات البرنامج)* لهذا الموسم إضافة إلى مشاركين من خارج البرنامج من المهتمين والمهتمات بموضوع اللقاء المفتوح “الربيع العربي .. رؤية إقليمية ودولية” مع الأستاذ/ عبد المجيد البلوي – وهو متخصص في الهنسة المدنية، وباحث ومهتم بالكتابة في السياسة والعلاقات الدولية وله مقالات سياسية في جريدة اليوم منذ حوالي أربعة سنوات.
إستشهد الأستاذ/ عبد المجيد في تحليله بالمتابعات الصحافية وعرّف الربيع العربي بأنه “ظاهرة” تفاجئ الكثير بها من مشاهدين ومراقبين، لكن عندما نبحث عن هذه الظاهرة نجد أنها نتيجة طبيعية لتحولات تاريخية، خصوصاً وأن الحالة التي وصل إليها العالم العربي قبل الربيع العربي كانت عبارة عن إنسدادٍ تام وشعور بالعجز وفقدان للأمل، مما أصابنا بضبابية في الرؤية مع تحديات سياسية خارجية.
وأضاف أن مجموعة من الشباب العربي لعب دوراً رئيسياً في كسر هذا الانسداد ووصفهم بأنهم أبناء المدونات والإعلام الجديد، حيثُ بدأ هؤلاء الشباب ينشطون في المجال العام في عامي 2004 و 2005م وأخذوا يُشكلون أفكاراً جديدة.. هيَ أقلية قامت بدور كسر السد، وبعد ذلك أظهر المجتمع قواه التقليدية التي كان لها نفوذ أكبر من قبل ذلك ولا زالت عملية التحولات جارية.
تحدثَ عن الربيع العربي كحراك نحو الديموقراطية وحقوق الإنسان والحريّات فأشارَ بأن الولايات الأمريكية جاءت إلى المنطقة العربية بشكل مكثف في التسعينات الميلادية وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتحرُّر أوروبا الشرقية من سطوة النموذج الشيوعي ودخول صدّام حسين للكويت وقد كان هذا أشبه بهجوم ضخم على منطقة تعاني من مشاكل سياسية في دولها.. وقد أصبح لأمريكا نفوذاً واضحاً في المنطقة جعل عدداً من الدول العربية تسعى لاستمداد شرعية بقاءها من خدمة أمريكا، ففُقِدت معظم المشاريع العربية كالقومية والناصرية والبعثية أهميتها ووهجها .. وأصبحت علاقة هذه الدول مع الولايات المتحدة وقوى المركز الغربي عبارة عن تبادل منافع وتقديم خدمات مقابل استمرار الوضع السياسي على ماهو عليه، و لعلّ أوضح ما تكون هذه العلاقة التبادلية في ملف محاربة التطرّف والذي استفادت منه أطرافاً عربية عديدة اقتصاديا وسياسيا .
وكانت حادثة 11 سبتمبر نقطة تحوّل رئيسية في هذا الملف .. وطرح للنقاش غربيا أن غياب الديمقراطية والحكم الرشيد في العالم هو سبب تنامي ظاهرة العنف .
فجاء مشروع الديموقراطية في الشرق الأوسط الكبير من المغرب إلى أفغانستان بعد عام 2003م وكانت أولى خطوات هذا المشورع هو احتلال العراق وفرض الديموقراطية بالقوة (وهو منهج المحافظين الجدد في أمريكا) ويرى الأستاذ/ عبد المجيد أن هذا المشروع فشل مبكراً، ولكنه خلق بيئة مختلفة تداول من خلالها مصطلحات جديدة على الشعوب العربية كالديموقراطية والحقوق والحريّات.
وفشل مشروع الديموقراطية في العراق سببه أطرافاً عديدة أولهم العراقيين كطرف مقاومة ودولاً أخرى تهاب التمدد الديموقراطي كسوريا وإيران وغيرهما ، وفي عام 2006م ظهرَ يأس أمريكا في مشروع الديموقراطية واستسلامها.
وفي عام 2006م كتب ستيفن هيدمان – وهو رئيس معهد السلام الأمريكي حالياً – بحثا بعنوان: “تحديث السلطوية العربية” وأعتبر أن مشروع دبمقراطة الشرق الأوسط لم يقدم سوى تحديث للأنظمة السلطوية، حيثُ استطاعت هذه الأنظمة بأن تتكيّف وتتأقلم مع هذا المشروع من خلال أكثر من اتجاه، مثل إحتواءها لمؤسسات المجتمع المدني، ومن ضمن ما ذكره بحث هيدمان أن السلطويات العربية استطاعت بأن تسيطر على السياسة بشكل كبير بمعنى أن هناك أحزاب وانتخابات ليس لها أي نتائج مجدية، مما أصاب المواطن العربي بالإحباط واليأس في المشاركة في الحياة السياسية أو جعلته يُشارك بحثاً عن المال.
ولكن استجابة الدول العربية جزئياً لمشروع الديموقراطية ولّد حالة من المناصفة فلا وجود لديموقراطية ناجزة ولا انعدام تام لها، وهو ما سمحَ بنشوء حركات مدنيّة متمرّدة على هذا الواقع وكانت بدايات الاعتصامات والاضرابات في عامي 2005م و2006م، وأهمها إضراب المحلة في جمهورية مصر العربية في عام 2008م.
إنتهى هذا المسار التراكمي بأن هناك شرارة اشتعلت في تونس في لحظة معيّنة فجّرت حالة غضب هي موجودة أصلاً .. لذلك المجموعات التي قادت الحراك العربي في تونس ومصر هي مجموعات تعاني من عام 2005م إلى 2011م من السجن والاعتقالات وتشكلت لديها عقيدة مقاومة للسلطة.
تتطرّق بعد ذلك للنمو والإصلاح الاقتصادي الذي شهدته الدول العربية والذي أثر في قيام الربيع العربي، خصوصاً وأن فئة الشباب كانت تعيش هذا الانتعاش وتُعاني من قلة في الوظائف .. وهذه الاصلاحات الاقتصادية تحوّلت في الأخير إلى مصلحة شبكات مصالح مجتمعية مرتبطة بالسلطة وهو ما أطلقَ عليه “ازدواج المال بالسُلطة”.
بعد أن استشهد الأستاذ/ عبد المجيد ببحث هيدمان الذي جاءت نتيجته بأن البلدان العربية استطاعت أن تتكيف مع مشروع الديموقراطية الأمريكي وتتحايل عليه، استشهدَ أيضاً بالمفكر فؤاد عجمي – وهو أمريكي من أصول لبنانية – وأحد مُنظّري الديموقراطية في العراق والقائل بأن: “أصوات الصواريخ وهي تقذف بغداد كأنها معزوفة” وكان مؤمناً بأن الديموقراطية يمكن أن تُقام في العالم العربي بهذا الشكل، وبتاريخ 15 ديسمبر 2010م – أي قبل قيام انطلاق الثورة التونسية بيومين فقط – كتبَ عجمي مقالاً في موقع (معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد الأمريكية) http://www.hoover.org/ يُعلن فيه عن يأسه من وجود ديموقراطية في العالم العربي، وأشارَ الأستاذ/ عبد المجيد إلى أن هذا مؤشر أن ما حدثَ لم يكن مشروعاً أمريكياً كما يعتقد بعض المهووسين بنظرية المؤامرة، وأن هدف أمريكا من مشروع الديموقراطية في الشرق الأوسط الكبير كان له مساراً مختلفاً تماماً، وقد ظهر فشله وانسحابه منذ سنوات.
ثم تسائل عن نظرة العالم وأولوياته تجاه المنطقة العربية وما يهمه كرؤية دولية، ولخصها في أربعة نقاط رئيسية:
أمن إسرائيل
أمن النفط
منع الانتشار النووي
محاربة التطرف
ثم تسائلَ ما إذا كانت الديموقراطية تؤثر على النقاط الأربعة المذكورة أعلاه؟
وأشار إلى أن نوح فيلدمن – أستاذ القانون بجامعة هارفرد – والذي اعتبرهُ الأستاذ/ عبد المجيد أنه من أهم المفكرين، وله كتابان مهمان الأول: “ما بعد الجهاديّة” من إصدار عام 2003م و “صعود و هبوط الدولة الإسلامية” من إصدار عام 2008م – قد تبنى رؤية تقاربية مع النموذج الإسلامي للديموقراطية ويحاول أن يقدم له مبررات ضمن السياق الغربي، (وهو مَن شاركَ في وضع أسس دستور بصبغة دينية في العراق) حيثُ يرى أن المطالبة في تحكيم الشريعة في العالم العربي مسببه الأساسي هو أن هذه الشعوب تبحث عن العدل، وأن نموذج العدل هو نموذج حكم الشريعة لأن فيها يتساوى الحاكم والمحكوم فالجميع سواسية أمام القانون.
وأشارَ فيلدمن أنه إذا جاءت سلطة تحكم بالشريعة ولم تحكم بالعدل فسوف يسقط النموذج السياسي الإسلامي وسوف تثور على ذلك الشعوب، لأنها تبحث عن العدل وإن لم يأتي بالدين، فسيبحثون عنه بشكلٍ آخر، وأشار الأستاذ/ عبد المجيد أن نظرية بحث الشعوب الشرقية عن العدل هي نظرية أقدم من فيلدمن، وممّن تحدثوا عن النظرية هو برنارد لويس – أستاذ بريطاني أمريكي لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون وتخصصَ في تاريخ الإسلام – ويرى أن الشعوب العربية تهتم بالعدل أكثر من الحريّة، ولا تهتم بكيف يأتي الحاكم، ولكن المهم لديها هو كيف يحكم.
الأنظمة العربية – قبل الربيع العربي – كانت لها علاقات اعتمادية مع أوروبا وأمريكا كونها غير صناعية، وبالنسبة للغرب يأتي الاهتمام بعدد الشعوب في المنطقة والذي يزيد عن 300 مليون شخص خصوصاً وأن حوالي 50% منهم من الشباب ويشكلون سوقاً استهلاكياً كبيراً.. وبعد الربيع العربي لم تتغير العلاقة الاقتصادية ولا تزال الحكومات تنادي باقتصاد السوق الحر، مما يجعلها مرتبطة ارتباطاً مباشراً مع الغرب ، ولم تُحسن في أن يكون لها سياسة مستقلة ولم تتغيّر، بل أن السياسة الاقتصادية في دول الربيع لازالت بنفس انحيازاتها القديمة.
ختم الأستاذ/ عبد المجيد حديثة بأن العالم العربي يعيش “صراع الحكايات” حيثُ أن الربيع العربي له أكثر من حكاية، وأحد الحكايات – كما ذكر أعلاه – أنه حراك بدأ في حوالي عام 2004 و 2005 من مدونين ونشطاء وجاءت نتائجه في أحداث 2010م و 2011م، وحكاية أخرى تقول بأن ذلك بدأ في العشرينيات مع ظهور الإخوان المسلمين كما ذكر الرئيس المصري محمد مرسي بحسب روايته في ميدان التحرير ويرى أنه وجوده في الرئاسة هو فصل من فصول هذه الحكاية، وآخرون يرون أن ذلك بدأ بعد أحداث 11 سبتمبر.. وما يجري الآن هو صراعاً مفتوحاً للحكايات، وواحدة من الحكايات ستبقى لتُروى في التاريخ لتحكي الربيع العربي.
لمزيد من المعلومات حول الأستاذ/ عبد المجيد البلوي، يمكنكم متابعته في تويتر على حسابه الشخصي @Al_buluwi
ـ * مشاركات البرنامج: الأستاذ/ عبد المجيد كان ضيف اللقاء التأسيسي لمشاركات البرنامج والذي سبق اللقاء المفتوح بأيام